السيادة لماذا ؟ عندما يتعلق الأمر بالسيادة ، لا خوف على الجزائري و لا حرج ، انه في فضاء هو له بالطبيعة ، أو كذلك يعتقد على الأقل ، دونما تردد و لا التباس ، فهو بالنسبة اليه ذا شأن و شأو و لو لنفسه و على ذاته ، فلا سبيل
للتنازل ، رجل جدير بالمشورة و أن لا يعلم ، صاحب أمر و نهي و ان لا يحكم ، فلا غربة و لا غرابة في ذلك بالاطلاق . و هو في هذا المجال ، يشعر دائما أنه على ميدانه و في قالب مصوغ على مقاسه ، لا يدع مجالا لينافسه اياه أحد ، ولا
يحب أن يقاسمه أحدا ، لا بداعي الحجة ، ولا بحكم الصلة أيا كانت ، و لو يسجل أحيانا بعض فترات التيه او التراخي ، فسرعان ما يستفيق و يصحو من الغفلة ليستدرك و ينطلق من جديد . كم من كنز فقد ، و كم من مجد أضاع ، الا أن
ذلك يهون أمام نشوة الاعتزاز بالنفس و الاعتداد للذات . فلا عجب و لا عجاب اذا سمعنا ذات يوم "يوغرطة" يقول و هو مكبل بالأغلال داخل سجن بروما يقول: (أن روما للبيع ، فهل من مشتري ؟) . ثم نرى عشرين قرنا بعد ذلك ،
يعني ألفي سنة بالتمام و الكمال ، النجم الجزائري لكرة القدم "زيدان" الحامل للجنسية الفرنسية ، ينكز نظيره الايطالي "ماتيرازي" بدماغية من طراز "علي لابوانت" التي لا يمكن أن تصنع الا بالجزائر و على طريقتها الخاصة ، انها
"علامة مسجلة" و لو أن كثيرا من "بني آدم" لا يهوونها ولا يستسيغونها ، بل لا يعرفون لها طعما ولا نكهة .
لونقارن ، بين الرجلين ، و الظروف المحيطة بهما ، ثم استجابة و تصرف كل منهما ، فلسوف نتأكد أن "السيادة" بالنسبة للانسان الجزائري قضية شخصية لا جدال فيها و لا نقاش ، فلا داعي لطرح سؤال (لماذا) اذن ؟ . فكل أدرى
بما يجب عليه فعله . فالأول رجل حرب و سياسة ، برتبة "ملك" يقود شعبا ، و الثاني رجل ابداع و رياضة ، ذي صيت و مد عالميين ، يمثل دولة تنسب لنفسها كل قيم المعمورة .
الأول كان يخوض حربا شعواء، بلا هوادة ، مع عدو تقليدي عنيد لدود ، ابان عهد تميزه النزعة الامبراطورية الرهيبة ، بينما الثاني ففي عرس عالمي لا يضاهيه تجمع من حيث الاستقطاب ، يصنع مجريات محفل دولي
تميزه رمزية السلم والتسامح ، بين أحضان الأنسنة ، و ابان الألفية الثانية .
رغم الاختلاف الواضح و الهائل بين الرجلين ، رغم التباين الشديد بين المهام المنوطة بكل منهما ، و بالرغم من التضاد البين الحاصل بين الوضعيتين اللتيين يترتب على كل منهما تسييرها ، الا أن الاستجابة العفوية لدى كل منهما، ولدت
فيهما تصرفين تلقائيين يتشابهان الى أبعد الحدود ، ان لم نقل أنهما متطابقين تماما :
فما الأول أثناه الأسر و التكبيل ، و لا الثاني طوعته نعومة الفن أو روضته كثافة التدريب .
ما الأول أعار اهتماما لقواعد التعامل و أعرافها ، ولا الثاني أقام وزنا لعلو كعبه أو جعل اعتتبارا لذيوع صيته .
و ما الأول ، و هو "ملك" شعبه و أهله ، تأثر بفقدان عرشه أو نزول مقامه ، و لا الثاني اكترث لدواعي جنسيتة أوتعالى ، و هو "مالك" لكل الأجناس فحسب !
لا المستقبل و لا الماضي ، لا المغريات و لا المرهبات ، لا الأضواء الكاشفة و لا الدهاليز المعتمة ، لا المكتسبات و لا الأنجازات تصمد أمام عزة النفس و كرامتها . عندنا ، كل شيء يسقط و يهون بما في ذلك "الذات" نفسها حينما يتعلق الأمر
باحترام هذه الذات بالذات كما يقول "بعض أهلينا" : (أنا كي نصلي ربي ما نستعرفش به) . هذا "الكلام" و ان هو متداول لدواعي الدعابة و الهزل ، ألا أنه بدلالاته ، فالجزائري يعتبر نفسه "كيانا" مستقلا في حد ذاته ، يترتب عليه و على
انفراد ، أن يتحمل كل المسؤوليات و يؤديها باتقان الى أن يتيقن من أنه وفر أدنى مستلزمات اثبات الذات و الدفاع عنها ، لصيونها على الدوام ، كل لحظة ، في كل ظرف ، و مهما تختلف الوضعيات . تلك عقيدة ، فينامتجذرة ، لها ما لها ،
و عليها ما عليها . لقد طبعت مزاج أجدادنا الكرام ، ثم انهم برعوا في التعامل معها ومع غيرها من الطباع و الخصوصيات ، مع حسن الاستثمار بالمناسبة ، اذ لولاها ، و كذلك تصرفوا ، لما كتب لنا أن نتواجد اليوم على وجه البسيطة بعد ما
لاقوا و كابدو! . شئنا ام أبينا ، لا يسعنا اليوم تحسبا للغد المشرق سوى التعاطي معها بالأيجاب ، فهي راسخة فينا و موطدة بفعل الزمن والتراكمات ، لم و لن تنسخها البدائل مهما تعددت واختلفت ، لم و لن تزعزعها الزلازل و ان اشتدت ،
تماما كتلك الجبال الراسيات .
هذه الممارسة جعلت من السيادة والانسسان الجزائري كلا متكاملا غير قابل للتجزئة . لا يطيق الانتقاص من شخصيته ، و لا يحتمل التنازل عن الترفع بها مهما يتكلف أزاءذاك . ان هي سوى ايماءة من قبل الغير تحمل دلالة استعلاء ، أو
تصرف منه بسيط ينطوي على مقاصد اسختفاف ، يكفي ، لتثور ثائرته و تتأجج فيه نيران البركان النافث ، و تأتي استجابته بعد ذللك في شكل ردة فعل فورية حازمة ، غالبا ما تجنح للعنفوان ، لما تحمله نفسه من رفض لكل أنواع الضغوط ، من
حيثما تأت ، و نفور مع الرغبة في التمرد على أي شكل من أشكال الانصياع القسري تحت امرة من كان . كذا ، لتؤكد مدى تعلقها بالحياة ، وتوقانها اللامحدود الى الاستمرارية في التواجد بأثبات الذات . هذا ما يفسر مدى تشبثنا "نحن
الجزائريون" عبر الأزمان و العصور بالاستقلال (بالذات و للذات) ، الى أن حظينا بتسمية "الأحرار" عن جدارة و استحقاق . بيد ان الحرية في قواميسنا العتيقة الضاربة مي أغوار الرمن ، ليست مجرد كلام يقال ، أو قرقعة طنين يسمع،
كما يوحى الى بعض من أهلينا اليوم ، ممن صبئ أو جهل ، تحت مسميات و غطاءات شتى ، في شطحات ثملى دنيئة تتحاشى تارة شرقا و تارة أخرى غربا لآ تنم سوى عن و انما أرضية كل
ابداع ،