لانهاء الشطر الأول من القاعدة ، نطرح السؤال ( ما معنى ؟ ) على المصطلح الأخير ، وهو "السيادة" . فماذا تعني هذه الكلمة ؟
نعني بكلمة "السيادة" الشعور بالذات الداخلية في اطمئنان و أريحية في التعتاطي مع الحياة .
نعني بكلمة "السيادة" الترجمة الميدانية للأذواق .
نعني بكلمة "السيادة" وقوع التوافق بين الرغبة والتصرف .
ونعني بها أيضا كل الأفعال و ردود الأفعال التي تحدث في تناغم وانسجام ، سواء كان ذلك على المستوى الفردي ، أم الجماعي . لأنه حين يغيب المحفز الطبيعي للأداء ، تفقد الرغبة في الحركة وبالتالي يستعصى الانجاز ، وحتى أذا حصل ، يكون ذلك خارج الدائرة الحيوية للشخص الوجدانية منها ، العاطفية ، الحسية و كذا الحركية ، ما يجعل منه مجرد وسيلة للتطبيق انصياعا لضواغط "شتى" . هكذا يتحول الفاعل الى مفعول به ، وكذلك تفقد "السيادة" فيصبح
(الأفراد - عبيدا) و(الشعوب -قطعانا) . اعتذر عن هذا الخطاب "من باب اللباقة و المعاملة الأنسانية" لا غير ، و الا فالواقع يؤكد ذلك بما لا يدع مجالا للشك اطلاقا، فليسأل كل واحد منا "كجزائريين" نفسه ، ما موقعه من المعادلة الوطنية ؟
ما دوره فيما يجري حواليه ؟ ما علاقته بما يقوم به (من عمل)ضمن المنظومة الوطنية ، ثم الى أين مؤداه ؟ . هل هو من اختار ما يعمل ؟ هل لأعماله نتائج ؟ هل لمجهوده مقابل ؟ وهل هو راض عن كل ذلك ؟ . الحقيقة أن الانسان الجزائري مغيب تماما ، حتى عن ذاته بحكم الخيارات الخاطئة (عمدا) ، والممارسات التدميرية (نكاية) ، الى جانب المحاولات التمسيخية ، التضليلية ، المتكررة باستمرار ،التي فرضت عليه بطريقة مدروسة ، ممنهجة غاية في الدقة والاستراتيجية الى أن نجحت في أن تصنع منه "كائنا" متنصلا لماضيه ، مرتابا في حينه ، متوجسا من كل ما هو آت . أهكذا تصنع الأوطان ؟ زلزل قبرك يا "عبان يارمضان" وهلم لتقود هؤلاء التائهين !
أهكذا تشأ الرجال ؟ شق رمسك يا "سي العربي بن امهيدي" واسرع لاغاثة هؤلاء المقهورين !
أهكذا تهندس المجتمعات ؟ انفض غبار لحدك يا " فرحات عباس" والتمس من عند ربك "عودة وجيزة" حتى ترشد هؤلاء الضالين !
لقد ذهبوا كلهم ، فثكلت لفراقهم أمنا "الجزائر" و ها نحن بعدهم بين أحضانها " يتامى " تتقاذفنا الشتائم والأيماءات ، تتلاعب بمصائرنا التمائم والأيحاءات وتبدد مقاديرنا ومقدراتنا العمائم و القبعات ، لانثير شفقة قريب ، ولا نستدر رحمة لبيب ، وكأن للسموات علينا دينا نقضيه! كفى ، كفى ، ألم يف ما قدمنا بالاستيفاء؟ بل و بالزياد ة ! آه ، متى نكبر؟ متى نرشد ؟ متى ننضج ؟هلا استجبت يا قدر ، أم أنت أيضا مع (الشياطين)؟ . الى الجحيم ، فليكن ، اعلم أن لك معنا حساب ، و لسوف
نتقاضى سواء بسواء . أنت جائر ، أنت غدار ، انت لئيم يا قدر! أنت ماكر ، أنت نكار ، انت بليد يا قدر! أنت كافر ، أنت سافر ، أنت خسيس يا قدر ! ألم نتلاق فيما مضى جولات وجولات ؟ ألم نتبادل واياك في المعترك صولات وصولات ؟ ألم تقر لنا
بأحقية "السيادة" مرات ومرات ؟ . الا أنك مغفل ، ساذج ،أحمق تتمادى في العناد من دونما قدرة ، ولا دراية .
"السيادة" يا اخوان أعز ما يملكه " الانسان الجزائري" انه متوارث عنده أبا عن جد ، لا يقر له قرار ، ولا يستقر له بال، (ولو تربت يداه ). لكم أن تقروا، والا فاستقرئوا التاريخ . نكوص فنهوض ، صعود فنزول ، هدوء ثم ارتجاج ، تجاذب فتنافر، تعاضد فتناحر ، تآزر ثم تآمر ، و ، و ، و........... كل ذلك لأن الجميع يحب "السيادة" و يريدها ، بلا مقابل وبأي ثمن . لا "الجغرافيا" لآ "الكلام " لا "السلام" (الأديان) استطاع أن يحول دون تلك المناوشات (المجانية) ، والهوشات (التناطحية) ، والتدافعات (البهيمية البينة) التي لم يكن صداها يتجاوز عتبة الدار -صراع ديكة- بالمناسبة تحضرني (ملحة) نتداولها بكثرة في هذا الصدد : ذات مرة هرعت الدجاجات الى (الدار) مفزوعات مفجوعات ، فقابلهن الديك عند (العتبة ) مزهوا متبخترا منفوخ الريش!
ما خطبكن يا هاته؟ فأومأن بشفاههن وجلات ، مرتجفات مديرات رؤوسهن الى الخلف، حيث قبع "بازي" (من فصيلة الجوارح) كان يتعقبهن فقال: أدخلن سأفريها معه الى الأبد. خرج المغرور بضع خطيوات ، والتقت العين بالعين مع (الكاسر)، فأردف مدبرا .
قابله الحريم: كيف يا (هذا) ؟ فأجاب : خلاص من اليوم فصا عدا ، انتهى ، لقد وضعت له الحدود . الحريم: أين يا رجل؟ فقال: من ( العتبة ) الى الداخل كله لنا ، أما الى الخارج فله.
فالأحرى بنا اليوم اذن أن نبني كيانا يضمن هذه "السيبادة " للجميع مثلما نحن عليه مفطورون، بكل ما لنا وبكل ما علينا ، فينا محاسن وفينا مساوىء ، فينا سلبيات و فينا ايجابيات ، فينا الصالح وفينا الطالح ، فينا المفسد وفينا المصلح ، فيناالغث و فينا السمين ، فينا المؤمن وفينا الجاحد ، فينا الطويل و فينا القصير، فينا الأسود و فينا الأبيض، فينا اليمين وفينا اليسار، الا أن "الجزائر" وسعتنا (جميعا) مع كل تناقضاتنا ، ومنذ أمد بعيد ، بعيد. انها أحسن منا (بكل أطيافنا) وبكثير، لأنها لو تدنت الى مستوانا (الصبياني) لتزوجت و اقترنت بآخر من أيام زمان. لكنها ترملت طواعية وفق حقيقتها ، كما جرت العادة ، وفاء لذاتها وتقديرا لأنيتها في كفاف وعفاف لئلا يتدنس الشهداء "الأحرار" من جهة ، وفي سبيل أن يترعرع (الأيتام) من جهة أخرى . أما اليوم و قد زرع الزغب اللحى فعلينا أن (نسترشد) ، علينا أن (نستعقل) ، علينا أن ننظر الى الحياة نظرةالناضج البصير المثبصر لكيلا نلحق "بأمنا " الأذى . لا علينا حياة المرء مراحل ، كذلك المجتمعات . ميلاد ، صغر ، فرشد و كبر، ثم هرم فمماة . واذا كانت حياة الافراد تعد بالسنين فان حياة المجتمعات تعد بالآماد ، وعليه ، فاذا كان الصبي يحبو ويزحف مدة سنة أو اثنتين مع "توفر كل الشروط" ، توقع أن هذه الفترة (المرحلة) ستستغرق عقدا أو اثنين (مع شرط توفر الشروط) ان لم تدم قرنا أو اثنين حالة (عكس ذلك) بالنسبة للمجتمعات.
لو نتأمل حالنا نحن "الجزائريون"، لا يسعنا سوى أن نتفاءل خيرا،مساحة فائضة ، مناخ فردوسي، وفرة طبيعية ، وعناية من السموات. مع كل ذلك ، لا زلنا لم نبرح الأرض بعد منذ عهد الغابرين ، لم نحاول يوما الانتصاب على الركبتين فما بالك بالوقوف
في توازن على الرجلين ، وان حدث "صدفة" ففي حضن الآخرين ، ( يا خي ميزيرية يا خي) ! دائما زاحفين؟ دائما حابين؟ دائما منبطحين؟ . الى متى والحال هذه؟ ألا نعيب أنفسنا ؟ألا نتحمل مسؤوليتنا كاملة حيالذاك؟ . نحن الآن في عصر لا يتيح فرصة
للسذاجة ، ولا يدع مجالا للصدفة ، كل النتائج تحدث طبقا لمسببات توضع وفقا لخطة دقيقة المعالم .فان كان انسان الاربعينات والخمسينات يتحكم في الحاضر ،انه اليوم يستشرف المستقبل "باحكام" لا "بالتنجيم" . ما بقي بعد هذا "للارتجال" حيز في قاموس الانساسية الحديث (الدنيا حسابات) بالمفهوم العلمي ،اعتبروا يا ناس اعتبروا .
حتى لا نفوت الفرصة مرة أخرى ، حتى لا نضيع موعدا مع التاريخ ، حتى لا تعاتبنا الأجيال ، علينا أن نبادر، علينا أن نضطلع بالمهام ،علينا أن نصنع الانجاز، تلكم مواصفات الانسان الحديث تفكير، تخطيط ، فانجاز والا فقطار الزمن ماض لا ينتظر أحدا ولا يأسف عن تخلف أحد أو تلاشيه أصلا . لا يتحقق لنا رهان الوجود على وجه الأرض ، ولا نضمن لنا استمرارية تحت أديم السماء ، ولا يمكن أن يعتد بنا "دولة" الا اذا أثبتنا بالحق أنا "مواطنون ناضجون "، قادرون على بناء "دولة مؤسسات" كفيلة بضمان "السيادة" لآخر ذرة في تمنراست .