[size=18]
لم نغب يوما " كجزائريين" عن واحدة من تلكم المحطات الا أن قطار "الزمن" كان دوما يفوتنا عند كل موعد. ليس لأننا ناقصي لياقة ، أم نفتقد لخفة ورشاقة الراكضين ، و انما كل طاقاتنا كانت تستنزف في غير صالحنا و تصب في جراب غيرنا . و إلا لما أخطانا اليوم تعريف " الدولة " ناهيك عن "دولة المؤسسات" .
فالدولة لفظ فظيع مريع ، مرعب رهيب ، متوحش جشع ، لأنها تقوم حتى "للسباع ، إن لم نقل للقردة أيضا" وكلا الفصيلين لا يعدو أن يكون قد بنى "دولته" على أساس دوافعه الحيوية (يأكل-يشرب-يتناسل...ثم ينام) و رغم ذلك فالمنافع قد تحققت له في "دولته". كذلك "الأشخاص"، مثلها ، لقد قامت "دولة" لفلان أوعلان، لهؤلاء أو أولائك ، فلله في خلقه شؤون. لقد وفرت لهم (دولتهم) كل مآربهم ، بل وأكثر، لكن الإنسان بعد (الأنسنة) ارتقى يا بشر، و أضحى يتنصل لكل ما لا
يخضع لميزان العقل ، المبني أساسا على التنظيم والبرمجة ، الميزة التي تجعل منه كائنا ذا أبعاد ، على خلاف كافة المخلوقات . ما ترتب عنه التفكير في الربط فيما بينها ، و انبثاق حتمية قيام التفاعلات بصفة آلية جراء ذلك ، فنتج ما يصطلح
عليه بالعلاقات . وما دام (الإنسان اجتماعيا بطبعه ) و (للاستمرارية أسباب و دوافع) لا تنحصر في الضرورات الغريزية فحسب ، تبين أنه ان لم تعد "المنفعة" متبادلة ، و"المصالح" مشتركة بين (الأفراد) فلا سبب لقيام "الدولة" ، بل لآ داعي إلى ذلك أصلا ، مما أرغم "الدولة" بدورها على "الاستئناس" . فاقترنت نضجا ، وعن قناعة "بالمؤسسة" ، بعد مسار طويل حافل بالتجارب والخبرات ، مثلما سبق و أشرنا ، في رباط وثيق صنعته محاولات التهذيب والترشيد عبر تاريخ الإنسانية . ونحن اليوم إذا أخطأنا منحى هذا السبيل ، سبيل "دولة المؤسسات" لا أظننا نحقق غاية ، لا لشيء سوى لأن التسديد عكس الاتجاه ، هدف مضاد ، نتيجته الخسارة البائنة ، والتصويب عكس الهدف ، انتحار صريح ، نهايته الفناء البائد
وكلتا الحالتين غير واردة في ذهن "الإنسان العاقل"، فالأجدى بنا إذن أن نختار النهج المؤدي ، مهما تكن المسافة التي تفصل بيننا و "الهدف"، لا ننزعج من التكاليف أم الوقت المبذولين ، سيان أن نصل اليوم أو بعد غد ، المهم أننا على الدرب الصحيح مستنيرين بضوء العلم والعلم الوضاء لا غير. العلم الذي لا يغتب ولا يرتاب ، حينما يقول لك الدولة ، يعي بذلك جيدا أنه يدل على (شعب- أرض-مؤسسات) في كل متكامل غير قابل للنقصان، لئلا تفقد المعادلة توازنها والتوازن ضرورة كونية تنحى نحوه الحياة وقد أكد على ذلك العلم من كافة المناحي:
- شعب محب ، ناضج ، معتز بانيته ، مشبع بروح الانتماء .
- أرض مقدسة ، مفداة ، متلاحمة ، غير قابلة للمساومة .
- مؤسسات شرعية ، سيدة ، ذات فعالية ميدانية ينتفع منها ، البار والعاق ، القاصي والداني ، المطيع والعاصي ....كل "بقوة القانون طبعا" و بما يعود بالفائدة على الوطن.
تلكم أركان ومقومات ، بل مواصفات الدولة الحديثة "دولة المؤسسات" التي نصبو اليها جميعا و التي من أجلها استشهد الطهرة ، البررة ، المؤمنون بهذه الأرض الطيبة ، الصادقون العهد لها والمخلصون العطاء . انهم فلذة كبدها وخيرة من أنجبت ، لا أظن دماءهم تبخل عن ري ربيع أزهارها ولا أظن هذه تفرط في التفتح والايناع ، فكفانا بربكم لغطا و تطبيلا .