لقد تمكنت النقابات (الحرة) من افتكاك مؤسسة الخدمات الاجتماعية لقطاع التربية و ذلك حدث عظيم ، لكونه سابقة في تاريخ (الجزائر المستقلة) أن يشرك (المواطن العادي) في تسيير الأموال . فلربما حدث ذلك بسبب زلة
استراتيجية ارتكبها أهل (الحل و الربط) فانثقبت (الشكارة) و قطرت على الناس بعض (دريهماتهم) خطأ . نخشى أن يتنبه الي ذلك (الخزنادار) و يستدرك الهفوة ويرقع الفتحة باءحكام ، فلا يعود الهواء بعدها ينفذ الى أحشائنا
الى أبد الآبدين فنموت احتباسا للأنفاس و لا منقذ ، لا جدال . (العارفون ، النافذون ، الآمرون ، الناهون) أدرى بذات الصدور و كيف تدار الأمور ، لا علينا !.
المهم أن هذه (المِؤسسة) استرجعها النقابيون الأحرار و وضعوها بين أيادي أهلها "فعلا" و مكنوهم من الاطلاع على "أمور" كانت الى ذاك الحين حكرا و وقفا على (النافذين دون سواهم) ، محرمة ممنوعة على المستخدمين الآخرين ، بحكم التسيير (المخفي) و (احتجاب) المعلومة . لأن الأمر يتعلق بالانتفاع " الأموال " و ما أدراك ما الأموال يا أخي (عصب الحرب ، زينة الحياة) !. اضافة الى ذلك مكنوهم لأول مرة من تذوق طعم الاستقلال و نشوة الشعور بالذات ، ما بعث الأمل والحماس في كامل أرجاء البلد ، و بالأخص بين أوساط عمال القطاع ، ليهب الجميع نقابيين نشطاء أو عمالا بسطاء ، مزهوين متفائلين لاحتضان هذا الحدث (الجلل) ! لقد "طلع البدرعلينا من حنايا الجزائر" حقا . ذاك الزخم أعاد الرمق ، بعث الحس ، أيقظ الأرواح و شحذ الهمم ، دون أن يستثني أحدا "لا حقرة ، و لا اقصاء" ، انه بادرة تأسيس و عربون مستقبل ، انه مؤشر سلامة و ضمان تعافي ، انه جزء من الحل و مدخل صوب برالنجاة ، ما جعلنا نتقدم "سعداء" لخوض عباب التسيير في خضم حرب "البناء المؤسساتي ، واسترجاع الدولة للمواطنين " . و اْذ أقدمنا على مثل هذه الخطوة ، لم نكن نحلم أو نجري خلف سراب ، بل نحن نعلم يقينا أن ما أفسدته الأحقاب لا تصلحه الهنييهات ، كما نعلم أن مسار بناء "الدولة " شاق و طويل ، لكن الاتجاه صحيح ، والوطن فوق كل اعتبار ، فلا بأس .
خلال المسار "الحرب" هذا اشتبكنا و"اياهم" في أربع معارك مصيرية و مفصلية ، نحن من أرادها و أدار رحاها ، ونحن من خطط و برمج لها ، مع ذلك ! عند النهاية ، و العبرة بالخواتيم ، كانت التيجة (لتعاسة هذا البلد و نكده) دوما انتكاسات و انهزامات تضاف الى سجلنا الحافل ، جراء ما اقترفناه من تصرفات أثناءها ، والتي بالامكان نعتها بكل الصفات ( طائشة ، رعناء ، مذهلة ، مخزية ، معكوسة المنحى ، مذهبة للريح ، مخيبة للآمال ....!) المهم أننا تدحرجنا من على السلم ، سلم الرقي القيمي ، و طفح بنا المكيال فسقطنا (في الميزان) ميزان الضبط الاجتماعي ، ما يؤكد أننا لا زلنا قصرا بمقياس "النضج المواطني" أو معيار "الاستقلال للذات" .
أعلم أن تلك العبارات و الألفاظ ، جارحة ، قاذفة ، متجنية ، وقحة ، مثبطة ، محبطة ، في غير محلها ، لكم أن تنعتوها كيفما شئتم لكنها للأسف " حقيقة " وان هي مرة. هذا ما استخلصته بكل صدق و اخلاص من خلال احتكاكي المباشر بهذا الفضاء ، ومعايشتي اليومية باهتمام لمجرياته .
حتى نشرك الجميع ونضع "الخدمات" بين أيديهم فعلا لا شعارا ، من صميم الواجب علينا ان نتواصل معهم و نعلمهم عن كل ما من شأنه أن يجعل منهم طرفا مستشارا ومقررا. وفي هذا الصدد ألخص لكم فعاليات تلكم (المعارك) التي تتمثل في الاجتماعات و الندوات التي عقدناها "ك" منتخبين شرعيين تم انتقاؤنا على أساس أن نكون "بديلا" في التسيير عمن سبقوا ، عسى أن نقوم بالأصلاح أذا أمكن أو على الأقل نزرع بصيص أمل ان نحن حاولنا أن نغير .
لو كنا في مستوى الطموحات ، واعين للمهام المنوطة بنا ، ملمين بالآمال المعلقة علينا ومضطلعين بالمسؤوليات الملقاة على عاتقنا ، لاتخذنا من تلك (المعارك) محطات فاصلة لتقرير المصير و كتابة تاريخ جزائر الحداثة و الاستقلال .
الأولى منها : انعقدت في شكل لقاءات جهوية (جنوب-شمال-غرب-شرق) لتحضير الندوة الوطنية الأولى أين ستوضع رسميا (الضوابط و القانون الداخلي) الذين سيتحكمان في تسيير الخدمات الاجتماعية (المحررة) في صيغتها الجديدة ،
يعني بعد انتخاب لجان تعددية التركيبة ، على عكس ما كان معمولا به سابقا . ما يقتضي التسيير الجماعي حتما بالمداولة ، سواء كان ذلك على مستوى اللجنة الوطنية أم اللجان ولائية المكونة من تسعة عناصر ، طبقا للقرار
الوزاري 1-2012.
الثانية: تتمثل في الندوة الوطنية الأولى التي تلت مباشرة تلك اللقاءات الجهوية ، انعقدت بالعاصمة ( ثانوية حسيبة بن بوعلي ) أيام : جويلية 2012
الثالثة: تتمثل في الندوة الوطنية الثانية التي انعقدت ( بزيرالدة ) بتاريخ 07 - 08 ماي 2013
الرابعة: تتمثل في الندوة الوطنية الثالثة المنعقدة مؤخرا في ( تيبازة) أيام 07 - 08 ماي 2014 أي بعد عام ونصف من التسيير والاحتكاك المباشر مع هذا "الفضاء " بآلياته و أدبياته الموظفة للتعامل مع مستخدمي القطاع بتطلعاتهم و انشغالاتهم .
لكل محطة من تلك المحطات (قبل انعقاد الاجتماع طبعا) محفزات ومقاصد في منتهى النبل و المثالية يتداولها "المنتخبون" فيما بينهم أو مع الزملاء و الزميلات في القطاع وكلهم عزم ، حزم و أمل في التغيير ! لكن يوم يجتمع
الرياس" أعني ، الرئيس و النائبان في اجتماعات وطنية رسمية ، لتجسيد تلك الأماني و ترجمتها الى واقع ملموس ، عبر نصوص صريحة سيدة هم من يضعها ويصادق عليها . يتبخر كل شيء و يتلاشى بقدرة (القادرين، لعارفين، ملاك البلاد ، مسخري العباد ) . مع ذلك ، فلا يجوز لنا التملص أم التستر عن فعلتنا ، و أؤكد أن لا حجة لنا لالقاء اللائمة على أحد ، كل ما حدث كان " منا والينا " بسبب القصور و التقصير ، أتدرون لماذا جاءت النتائج على عكس ما كان ينتظره الجميع ؟ : لأن الهيئة المسماة صوريا "الهيئة التنفيذية" تصبح في واقع الأجرأة ، بالسلوك و الممارسة (هيئة نافذة ، نفاذة) بفعل السلطة و قوة القانون المبثوثتين في شخص "الرئيس" . ليس حبا فيه أو تأصلا في التنظيم وانما حيلة و دهاء بغية الاستفراد والاستحواذ . هكذا أراد لها الورثة المالكون ، الاباطرة الحاكمون "حراس الأرض ، عسسة الأجواء" ففي مثل هذه الأنساق لا وجود لغير "الأنا" ، لم يعد هناك حيز أو متسع "لاثنين" فما بالك "للنائبين" ليصبح العدد بذلك "ثلاثة". في سنتنا و القاموس ، ما "النائب" سوى "تابع" أو مجرور ، بأداة جر اسمها (؟) سلطان زمان ............. فاليكم التفاصيل .
1- في المحطة الأولى المسماة "الندوات الجهوية" و عددها أربع ، دعينا (مع سطر أحمر تحت كلمة دعينا) عن طريق (براح) عبر الهواتف النقالة من الرئيس الى الرؤساء ، ومن هؤلاء الى نوابهم (كما يسمون) بايعاز أو توجيه من "مجهول" ، لأن تلك الندوات انعقدت خلسة ، من دون لقاءات تشاورية مسبقة مع كافة مندوبي المؤسسات "المنتخبين" هم أيضا ، و لا حتى مع زملائنا في اللجان ، يعني باغتونا ليقضوا علينا في غفلة منا ومن كل من من شانه اغاثتنا ، كل شيء حدث في رمشة عين فوق علم الجميع ، دون سابق انذار أو اشعار، لا بتاريخ الاجتماع و لا بجدول أعماله ، انها "خاطفة جنونية" بلغة الملاكمين ، ثم لكم أن تتصوروا النتيجة . المخططون دعونا الى الحصة التدريبية الأولى ليروضونا على التدجين و التبعية و كيفية الانبطاح . لعلمهم أننا غرباء ، جهلا ، ودخلاء على هذا "الفضاء " فلا باس أن يراوغ المحترفون . لقد أثخنوا فينا ، و أتقنوا قيصريتهم علينا ، فولدنا "توأمين" بعد مخاض عسير دام يومين وثلاث ليال ، اجتهدنا خلالها وأجهدنا أنفسنا حد الارهاق الى أن تمكنا من استنساخ الوثيقتين التوأمين " القانون الداخلي و الضوابط" اللتين تتحكمان في تسيير شؤون الخدمات الاجتماعية ، بأسوأ حالا مما كانتا مدونتين و معتمدتين من لدن "السابقين". فهم على الأقل يحوزون صفة الابوية عليها و بفضلها يملكون تراخيص النبوغ و الابداع الفكري ، فلا خوف منها عليهم ولا حرج ، أنها من صلبهم و في خدمة مشروع كان ولا زال (لهم) . أما نحن " فتوليدها " من أرحامنا سقطة أخلاقية لفظتها كل الأعراف ، و تحريرها بأيدينا جنحة قانونية تجرمها كل الدساتير . لأنها بكل بساطة " مولود غير شرعي " بجميع المقاييس .
2- في المحطة الثانية ، والتي تلت مباشرة تلك الندوات الجهوية ، أراد لها "النافذون" أن تكون قفصا للمتعة الذهبية ، فبرمجت على أساس أنها فرصة للم "الشتات" و ردع "النواشز" ممن أخطأن السبيل قبل يومذاك . فنودي في القوم أن هلموا شرقا ، غربا ، شمالا و جنوبا الى البيعة و تأكيد الولاء . تحقق الحلم (كالعدة طبعا) ، فزغرد النسوة ترحيبا "بالمزدان " اثر المصادقة على " التوأمين " . و لم يبق على الآباء اللاشرعيين بعد ذلك ، سوى النفقة "بالتبني" وقضى "الله" أمرا ما كان ليكون مقضيا ، لولا أن كان الطلائع أذيالا و القادة تبعا ، فأصبح الشذوذ (أمرا واقعا ) ، ككل أمورنا على كل حال ! . انتهى العرس ، فانصرف "المدعوون" على بركة الابتهالات و التهاليل مطلقين العنان للألسن بشتى أصناف الأدعية تضرعا واسترضاء لما هو آت . هكذا تبنى " الدول " ، هكذا تتوطد "الأوطان" و ألا فارحل ! .
3- المحطة الثالثة جاءت بعد ستة أشهر من الممارسة الميدانية ، على هدى "الوثيقتين التوأمين" فاكتشف "الرهط" فراغا في " الدستور" ! انه لا يضمن "الودك" ، وفن الانبطاح يستوجب العلف و التكديس ، لذا لم يبخل "القوم"
و لم يترددوا في ادخال تعديلات هامة خلال هذه "الندوة الوطنية" . انها (وصمة) ستشهد لها وتنتفع جراءها الأجيال ممن ستجتبه الأقدار فيما سيأتي من "عهدات" ! لقد ضبطوا "قانون التعويضات" كأحسن من أي وقت مضى . و بهذه
"الهدة التشريعية" الخارقة الخلاقة ، جعل الرؤساء "الأدوات" لهم مكانة في الاعراب ، فبعدما كان "الرئيس" أداة جر و سحب لزملائه ككل ، و لأصحابه المنتخبين "مثله" على وجه الخصوص ، أصبح بفعل "الوثيقتين" السحري مفعولا به لفاعلين غير بانين ولا مبنيين للمجهول أو عليه ، فهم محترفون ! . ألاحظتم ماذا تصنع الخبرة والتجربة ؟ ستة أشهر لا أكثر ، تطورت الأحداث ، و أصبحنا نعرف "صلاحنا" كالآخرين ، و بسرعة الخطف تتلمذنا وتعلمنا من أين تؤكل
الكتف ! . انها "بلاد المعجزات حقا" .
4- المحطة الرابعة وهي تتمثل في الندوة الوطنية " الثالثة التي انعقدت مؤخرا، يومي 7- 8 ماي عام 2014 ، بعد عام ونيف من اعتلائنا عرش الخدمات الاجتماعية لقطاع التربية ، و تذوقنا حلاوة ومرارة افرازاته . قبل الذهاب الى
" الاجتماع حدثت زوابع ، وقصفت رعود ،وأبرقت صواعق من كامل أرجاء الوطن ، شرقا و غربا مكتسحة ما بينهما رواحا و جيئة . هرول ابانها "الرهط" راغين مزبدين (كلهم) وعد و وعيد ، أقاموا الدنيا و لم يقعدوها . تهاتفات ، تشاورات ، تلاقيات ، بيانات ، اشعارات ، مراسلات ..... حتى خلناها الساعة تقوم ؟ وحين جد الجد ، جعجعت النواعير و لا طحين ! انفش الجميع و هدأت العواصف لمجرد التقاء العين بالعين . سحر السلطة و هيبتها يستيقظ له الوجدان
تتراقص له النفوس و تقشعر منه الأبدان . تخيلوا (159 زعيما منتخبا) مضافا اليهم "المسير الوطني " و المحاسب ، ما يجعل في المجموع (161) مادة رمادية ، مجتمعة داخل القاعة لغرض "التغيير". كل تلك الترسانة ! لم يستطيعوا أن يقدموا فاصلة أو يؤخروها في محتوى "الوثيقتين" . بل الأدهى و الأغرب أن يتحول أولئك الساخطون على الوضع ، الناقمون على آليات التسيير وكيفياته ، الى منادين بحياة "الرئيس" و المؤيدين لمسعاه النبيل "جزائرنا يا بلاد الجنون " ! . فعلا ان الأمور ببلادنا تسير بقوى و ارادة خفيتين مستترتين لا يعلم بهما سوى الباطنيون ، اللامرئيون ، المنجمون علمة الغيب ! . أين أنتم يا من وقعتم بالأختام ، و أقسمتم بأغلظ الأيمان على أن يقضى على "المركزية ، أم المنكرات "، فتسترجع الدولة الى أهلها ؟ و الآ ......! هيهات يا أهلونا هيهات ..... ! .
لماذا لم تثبتوا على موقفكم الذي أشهرتموه و وقعتم عليه ؟ و الذي مفاده أن تجمدوا نشاطاتكم في حال أبقي على " مركزية منحة التقاعد ، سلفتي السكن والسيارة ، و "منحة" الرحلات الداخلية و الخارجية "اللامسقفة !" . لماذا لم تهددوا بالاستقالة و تنفذوا في حال لم تفرضوا ارادتكم و لم يستجب ، لمطلبكم حفاظا على مصداقيتكم وشرعية تمثيلكم ، حتى تبرهنوا عن جدارتكم و صدق عهدكم حتى تثبتوا أن الحياة تسير ؟ أم أن الجاذبية أقوى من أن تبقوا مترفعين ؟ .
خلاصة القول يا اخوان ، أن استرجاع مؤسسة الخدمات الاجتماعية بين ايدي اللجان الولائية و اللجنة الوطنية المنتخبة شرعيا ، لا يعدو أن يكون تجربة (كأيها تجارب) مرت بها منظومتنا التربوية للاصلاحات ، في ظل تحول "المنتخبين"
الى "مخيبين" بفعل ما أنجزوا تحت حلاوة و رهبة (السلطان) . في الحقيقة لا شيء يدعو الى الاستغراب مما جرى و يجري ، لأن القضية ، قضية اختلاف في الأوزان :
فعندما تقدم النقابات "فرسانا" من عيار (صفر ملم) أو ما دون (الذبابة) ما يعني باللغة الرسمية (ناموس) ، لمنازلة "دبابات" من وزن ما فوق (الفيل) فلا تنتظر فرجة و لا نتيجة و انما توقع نازلة من خوارق العصر تقع ، مثلما نرى .
الوزر كل الوزر تتحمله " النقابات" التي كافحت و قدم كل تلك التضحيات ! لا تلام على أساس أنها افتكت فضاء "الخدمات الاجتماعية لعمال التربية" و انتزعته عنوة من قبضة "الغول". بل على العكس ، فالشرف كل الشرف لها و في
نبل مسعاها ، يا ليت كل تنظيم محترم ، كل شريحة من مجتمعنا ، و كل مواطن "حر كريم شريف" يحذو حذوهم هذا ، حتى يعم الاستقلال و يتحقق الانتقال المرجو بسلاسة و دون رأسمال يهدر . أما أن تتغاضى حينما يجد الأمر ، و تتراجع حالما يقتضي الاقدام والمواجهة ، فذلك ما لا يتقبل منها ، و لا يتغاافل عنه التاريخ .
لا يتصور أحمق السذج من بين المواطنين أن "نقابة" بمستوى يقتدى ، من حيث النضج والرؤية والفعالية ، لا تقدر مكسبا من هذا الحجم ، أو لا تحس بعظمة انجاز توج نضالات هي أدرى بثمنها ومكبداتها من أي كان سواها ، لكيلا تعد له أسباب الوجود و الدوام من (رجال و برامج) ، وهي التي تتوفر تركيببتها البشرية و تزخر باطارات أوفر حظا في النجاح من أي تنظيم آخر بين أوساط مجتمعنا ( عددا و عدة ) بما في ذلك "المتمرسون" . لأنها عناصر متعلمة ، حاملة لشهادات تؤكد جدارتها المعرفية وتثبت كفاءتها المهنية بما لا يدع مجالا للشك ، و هذا ما تقتضيه الساعة حاليا و مستقبلا . اضافة الى ذلك فهي نظيفة اليد صافية السريرة مسارها حديث لا تعتريه رواسب الدهر و لا تشوبه عوالق المشوار ، وتلك هي المؤهلات التي يتطلبها حيننا و حالنا معا . وعليه لا يحق لكم "أيها القادة" أن تخيبوا الآمال التي علقها عليكم الوطن و المواطنون بعد ما قدمتم (مما عجز عنه الاخرون ) . و الأفق الذي فتحتم ما كان ليطل علينا لولا حصافة رأيكم و وضوح رِؤياكم . فكيف بكم اليوم تتفرجون على مكتسبات تضيع و جهود تهدر و كأن لا حدث ؟ ماذا يعني في النهاية بذل كل تلك الطاقات ؟ ما الهدف من أزاحة النقابة الأحادية من على (مناخها) فوق خزائن أموالنا ؟ أليسوا اخوانا لنا مثلكم تماما ؟ أليسوا مناضلين نقابيين أيضا مثلكم تماما ؟ أليسوا جزائريين هم أيضا مثلكم تماما ؟
الا أنهم تعثروا و أخطأوا و برهنوا على ألا يؤتمنوا على أموالنا ، فحق بذلك ابعادهم ، و توجب تغييرهم (و ذلك ما استشعرتم و فعلتم) . لأن منظورهم في التسيير ، أعمى أبصارهم وضرب على بصائرهم ما جعلهم لا يرون و لا يعبهون الا "بمصالحهم" ، فاحتكروا الأجواء و المساحات لهم ، فقط لهم وللدوائر الضيقة السائرة في فلكهم ، الراعية "لمشروعهم" ، منتفعين جميعا من أرزاقنا ، دون أن يفكروا لحظة أو يترددوا في العبث بمصالحنا و الضرب بمصائرنا عرض الحائط .
انهم لا يؤخذون على ما فعلوا: فذاك مشروعهم وهو حق مشروع لهم ، بل و يشكرون على وفائهم لذواتهم ، انهم لا يكذبون على أنفسهم و لا ينافقون معها ، و هذا ثابت في أدبياتهم . وأكثر من ذلك ، يحسب لهم تفانيهم في الحرص على
خدمة مصالحهم و تجسيد مشروعهم ، و هذا أيضا حق مشروع لهم ، كما لا ينكرعليهم السبق ، قبل "أي" من المواطنين الى الادراك أن "الانتفاع" أولا و "الانتفاع" آخرا ، حتى وان يك ذلك تزهدا أو نسكا،
فلا غاية الأخرى الا فردوسا منشودا. و هذا أيضا من الثوابت عندهم ، و هو أيضا حق مشروع . فما مشروعكم أنتم "محررو" الفضاء " و ماذا أعددتم للتكفل به ؟
قبل أن تقدموا على المشاركة في تسيير هذه المؤسسة:
1- من المفروض أن يكون لديكم على الأقل تصور حول "منظور مغاير في التسيير" يتناسب و نهجكم ، لكيلا تحيد بالخفيف من رجالكم السبل أثناء الممارسة الميدانية .
2- من المفروض أن تكونوا قد وضعتم بين أيدي من قدمتم "خطة" واضحة المعالم ترشدهم و تدلهم الى كيفية التفاعل بايجابية مع هذا "الفضاء" في ظل مثل المعطيات التي أنتم بها أدرى ، لكيلا يضلوا ، فيقطعوا ما يربطكم و الآمال
المعقودة عليكم .
3- من المفروض أن تكونوا قد أعددتم لهذا الفضاء من بين رجالكم "كفاءات" كفيلة باحداث التغيير ، انطلاقا من قناعة (مهما يكن جهلنا بالتسيير ، لن نقترف خطايا السابقيسن) .
4- من المفروض أن يكون منتخبوكم في مستوى الذود عن أموال الناس وعدم السماح بتبديدها بحجة "الرعاية القصوى و التكفل بالمواطنين " تحت مظلة القانون ، مثلما كان يفعل " السابقون " . ويجعلوا من هذه المهمة واجبا "مقدسا لا يسمح المساس ، أو التلاعب به تحت اية طائلة" . أما أن تبلغ السذاجة التقنينية بالمنتخبين حد استساغة ما كانت تتقزز منه نفوسهم بالأمس القريب فقط قبل أن "يتحولوا" ، فقسما بالجزم لمدرسة الاستغباء التشريعي التي
تعمد عليها واعتمدها "الأولون" أفقه وأفيد من العلم الذي يتعاطون ويتباهون به . و هل من قوانين الجمهورية ما يدعو الى "تبديد الأموال" لولا غفلة المغفلين ؟ بينما "الضوابط" التي صادق عليها و طلع بها علينا "منتخبونا"
(تمنح المستهلك) ، (تعيق المستثمر) و(تحرم المضطر) بكل بساطة ، بأسمى معاني الوقاحة و بجرة قلم ، ثم تسمي المستحضر على بركة الله و السلطان " خدمات اجتماعية ". بل لأنها غير ذلك في الحقيقة . كذلكم تغتصب
السيادة ، فيستبد بالشعوب ، و في النهاية تسلب الأوطان بأكملها كنتيجة . حدث ذلك بوحي و ايعاز من التركة التشريعية "للأولين" . لأن "منتخبينا" المساكين لم يسنوها ، وانما استنسخوها و نقلوها (بالغش) عن "معلبات"
السابقين لضمان الاستمرارية و تواصل الأجيال.
5- من المفروض أن تكونوا قد حددتم مسبقا رزنامة العلاقات التي ستبنى عليها المؤسسة التي جئتم اليها "ضيوفا" ، على أساس يضمن لكم الشراكة الفعلية بما لا يدع مجالا للتردد أو الالتباس ، ما يعرقل "منتخبيكم" أثناء التسيير ضمن
هذه اللمنظومة المتمرسة المحترفة ، حتى لا يظل المساكين (المغرر بهم ) لقمة مستساغة بين فكوك "الحاكمين" مذعنين لجبروتهم ، يتصرفون طوع امرتهم و كأن محياهم و مماتهم تحت رحمتهم ، سبحانك رب العالمين !.
خارج هذا الاطار يا أخي "اطار العلاقات المستتبة" ، لا يجوز لأحد الحديث عن الاستقلال الا "لشهداء نوفمبر" ما عداهم ، كل من على هذه الأرض عاداهم و آذى شرفهم ، أواقفا نفسه ادعى أم منبطحا ! . كيف لا ؟
ما علاقة منتخبيكم و ناخبيهم ، و ما موقع هؤلاء من النصوص ؟
ما علاقة منتخبيكم و الجهاز الاداري ؟
ما علاقة منتخبيكم والنصوص ، المعلب منها و المستحضر ؟
6- من المفروض ألا يتوقف مشواركم عند حد استرجاع هذا الفضاء فحسب ، و انما عليكم بمتابعة "من" قدمتموهم على أساس أن يكونوا "بديلا" لتسيير هذه المؤسسة ، لئلا يندمجوا فيذابوا ثم يصاغوا على شكل القالب الجاهز ، في
واذعان و استسلام "بطولي" لا وجود له عبر أصقاع المعمورة ، الا عندنا ، ألم ينقلب "منتخبونا" الى "اداريين" ، بل و أكثر تعسفا ، غطرسة و بيرقراطية ؟ و خلال ظرف وجيز .
7- من المفروض أن تجعلوا من تنظيماتكم وهياكلكم جسور تواصل مستدام بين الناخبين و المنتخبين ، حتى يتخذ منها هؤلاء و أولئك مرجعية ، تذكر بالانشغالات و توضح الاتجاهات ، عسى أن يضل من به غفلة سواء السبيل .
8- من المفروض ألا يترك المنتخبون عرضة لابتزازات الأدارة و مساوماتها ، بحجة (عدم التدخل) في شؤونهم ما داموا قد التحقوا بجهاز الدولة ، و كأن الدولة حكر على فئة دون غيرهم من الناس . ان الدولة التي لا نشارك في صناعتها
لا جدوى من الانتماء اليها أصلا ! بل على العكس مما يرى (كل من بداخله وسواس) ،انه لمن واجب كل مواطن أيا كان عمله أو منصبه أن يجعل من أمر "الدولة" انشغاله الأول و الآخر ، فما بالك بالنشطاء و رجال الطليعة ؟
9- المشاركة في صياغة (القانون الداخلي ، الضوابط) من صميم المواطنة و الاستقلال الوطني ، و الا فلا معنى من تضحيات الشهداء !
10- بعد نصف قرن من استرجاع "الدولة" ، لا تزال قوى خفية تنصب نفسها "وصيا" على المواطنين ! و الا فكيف يعقل أن تعد أطراف برامج و أنشطة ، غير مستساغة من قبل أصحاب الأموال (مستخدمو القطاع) و من دوناستشارتهم
ولا تمت بصلة للخدمات لا من بعيد ولا من قريب ، على غرار" السياحة " (الداخلية منها ، الخارجية و الدينية ) وشتى أنواع "الزردات" التي تقام هنا وهناك لأسباب و أغراض مختلفة ، ثم يلزم "المنتخبون " بالتطبيق ، و صرف
أموال باهظة عليها (دون استشارة أصحابها أيضا) ، بحجة ، واحدة ، فريدة ، واهية ، (كونها بنودا منصوصا عليها في "الباب الخامس" من الضوابط العامة ) ، و حين يقال لهم (رفقا بالأموال) يردون ، يجب تطبيق النصوص و
احترام قوانين الجمهورية !. لبئس ما تصنعون ! متى كان (التحواس) خدمة اجتماعية أو انشغال دولة ؟ سواء كان لغرض الترفيه أو لغرض التعبد ؟ انه أمر شخصي بامتياز ، لا يعني الا صاحبه ، بما في ذلك الحج "لمن
استطاع اليه سبيلا" . أية جمهورية هذه التي تجعل من ( الشطيح و الرديح) خدمة اجتماعية ، يقال في ثقافتنا الشعبية (اللي يحب يزهى بزهى بدراهمو) ، دعونا بربكم من هذه الخزعبلات والمغالطات ، لقد ابتلعنا منها حد التخمة
ان لم نقل أكثر. و الغريبب في ذلك كله أن يظل الجميع ساكتا ، هامدا ، راضييا ، بما فيهم "النقابيون" و كأن الأمر طبيعي حسب ما يبدو ، أم أنهم جميعا جهل غير مطلعين ، أم أن رجال الطليعة (عندنا) غير مبالين ، لا يعبهون
سوى بما سيعود على شخصهم بالنفع ! .
أتدرون ما "الباب الخامس" ؟ انه باب أسود ، غامض ، مبهم ، غير مسقف . لايرد نازلة ، لا يخفف كربة ، لا يقي شر بلاء ، و لا يشفي من داء ، فقط ، باب مشرع لتبديد الاموال بصفة مقننة ، مستوحيا شرعيته من السماء ، مستمدا
حصته من باب الحق الالهي !. انه يحظى بعناية أكبر من أي باب في (الضوابط) من قبل المسيرين ، الكل على قدم وساق ، جاهز و متحفز للقيام به . لأنه فسيح غير ذي سقف أو حد ، يتيح البحبوحة ، يمنح البذخ ، ويضمن الانتعاش،
من ذا الذي يضيع فرصة كهذه ؟ انها المبتغى ، انها الفردوس المنشود ، لقد وجد المؤمن ضالته ! .
هل من البر و الايمان أن تخصص لهذا "الباب" وحده ميزانية تفوق تللك التي أنفقت على الخدمات الصحية الثلاث مجتمعة (أشعة ، تحاليل ، عمليات جراحية) ؟
هل من الحق و الانسانية أن تفوق المبالغ المبذرة في هذا "الباب" تلك التي رصدت كمنح واعانات لذوي الاحتياج لظروف صحية أو اجتماعية قاهرة ؟
هل من المنطق والتحضر أن تبدد في هذا "الباب" أموال تفوق بكثير الأرصدة المخصصة لانجاز المشاريع ؟
أجزم القول أنه لا أحد من "الجزائريين" مهما يكن مستواه ، يرضى أن يقدم ماله "الحلال" ، لأي كان لغرض "التبديد" ولو يكن هذا أعز الأحبة اليه أو أقرب المقربين منه . و ان لم تصدقوا ، استشيروا الناس لتتيقنوا .
هل من (الترقية الاجتماعية ) تشجيع المواطنين على الاستهلاك "الأعمى" و دفعهم الى التنافس على الخوض في اللااتجاه ، في اللامستقبل ، في اللاغرض ولاهدف ، سوى الترويح عن النفس ،جريا وراء الراحة والتلذذ لتلبية نزوات
ظرفية ،زائلة ، زائفة ، مزيفة لا طائل منها ، بدفع أموال طائلة مقابل ذلك كأنها دمغة حياة مفروض دفعها ، و لسوف يتحسس وطأتها أحفاد الأحفاد . لانه الضلال بعينه ، بل لانه الخبل بأوضح أشكاله ! .
نناشد كل مستخدمي القطاع أن يطلعوا على "الوثيقتين" بتمعن وهما متوفرتان في كل المؤسسات ، و ان لم يكن كذلك فليلتمسوها من عند ادارتهم ، خصوصا وثيقة (الضوابط العامة التي تحكم تسيير الخدمات الاجتماعية) و على وجه التحديد "الباب الخامس" ، مخاطبين ذات الوقت في نفوسهم يقظة القلب و صحوة الضمير ، موقظين في ذواتهم روح "المواطن" المسؤول الكامل النضج و المواطنة ، حتى يتسنى لهم الانخراط آليا في مسار البناء و المشاركة و يحسوا بكيفية الادلاء بالرأي في التشريعات . حينها يتذوقون طعم حرية الجزائري الخالص المخلص ، فيتبينون و يتيقنوم من لزوم ترشيد وتهذيب المؤسسات. ويتخذوا من هذا الموضوع سببا و غاية لأثبات الوجود والحياة بواسطة ندوات تعقد على
كافة المستوات أينما و كيفما أتيحت ، خصيصا لتوسيع النقاش حول هذا الأمر بالذات ، الى أن يصبح مطلبا وطنيا تتبناه كل التنظيمات المخولة والمكفولة بالتفكير و التقرير في تعديل "الوثيقتين" ، ثم ضبطهما على بوصلة عمال القطاع ، ملبية رغباتهم ، مجسدة ارادتهم ، عاكسة انشغالاتهم و في مستوى تطلعاتهم و طموحاتهم . وقتئذ يمكننا أن نسميها "خدمات اجتماعية" فعلا . أما في حال استمرارنا في هذه الغيبوبة السرمدية العمدية ، غير عابئين بشؤوننا ، لا مبالين بما يدور حوالينا ، غير آبهين بمستجدات السيرورة الوطنية و البناء المؤسساتي و متطلباته الظرفية فلا يحق لنا أن نعد أنفسنا مواطنين .
وفي حال تمادينا في ممارسة الاقصاء الذاتي طواعية ، في أمور لا تخص ولا تعني سوانا ، نكون قد فرشنا للعبودية وكسونا.
وفي حال أحللنا التقاعس والخذلان محل الجد و الحزم ، في القيام للمستقبل ، فأين الفرق بين الأحياء و الموتى ؟
وفي حال لا زلنا نعانق العبث و الارتجال في معالجة أمورنا ، عوض اخضاعها لدقة العلم و رجاحة المنطق ، فلا جدوى من بناء المدارس .
وفي حال انتصرنا للخلل و الخبل في التصرف ، بدل التعقل و الجدل لتنسيق الآليات و اسثمار الامكانات ، نكون قد أسأنا "للنبيل" مما مضى ، و أسسنا لوأد "الكريم" في كل ما هو قائم ، و أوصدنا المنافذ عن "المفيد" في كل ما هو آت . و
بذلك فعلى الدنيا سلام ، لا تقبل منا التاريخ ، و لا رضي عنا الحاضر ، و لا سامحنا كل من "قام" على هذه الأرض "حقا و عدلا" منذ ما ان يستأنس الأنسان .
حذار أن تظنوا أن ما أقول مجرد "انشاء" أو "نزوة" تمخضت عن تقلبات نفس أو اختلاج أفكار ، و انما تفاعل ميداني صادق و احتكاك مباشر مع هذا "الفضاء" ، تولدت عنه رغبة ملحاحة للاسهام والاستمرار في البناء والحياة ، وان لم يكن
كذلك فعلى كل منا أن يسأل نفسه .
أحمد بوعقلين منتخب في اللجنة الولائية للخدمات الاجتماعية
البويرة يوم 14 ماي 2014
ملاحظة : من اراد الاستزادة في التفاصيل ، فليطلع على الموقع الالكتروني : osten1bouira.forumalgerie.net